إبنة الملك

                     
فى التاريخ الإسلامى نساء استطعن أنْ يحفرن أسماءهُن بالقوة بحروف من نورٍ ونار .. ومن بين أبرز الأسماء النسائية فى التاريخ القديم، تلك المرأة ذات البشرة السمراء والابتسامة الصارمة، نظراتها مزيج بين النعومة والقوة والمكر، دهاؤها السياسي والعسكري فتح لها امبراطورية كاملة في جنوب إفريقيا إنها الملكة "أمينة" أو"أميناتو"

وهي التي قالت يوماً :

«كنتُ أَوَدُّ أنْ أتزوجَ ويكون لي منزلٌ وأطفالٌ، ولَكِنْ حينَ وَجَدتُ الرجال في مَكانٍ غيرَ مكانِهم اضطررتُ لحملِ السلاحِ وركوبِ الخيلِ والقتالِ!!»

أخذ الغرب من قصتها وصنع مسلسل "زينا - Xena"الأسطوري الشهير وحين لم تجد "أمينة" من المسلمين من يَكتُب سيرتها الحقيقية قامَ الغربُ بسرقتها.. وصَنع منها قصةً أُسطوريةً على غير الحقيقة فتشوهت سيرتها بفعل كتاباتهم المغرضة التي دائما ما تشوه أبطال الإسلام حتى قالوا عنها كذباً أنها كانت تتخذ لها عشيقا كل ليلة ثم تقتله في الصباح وهذا بهتانٌ وظلمُ، فقد كانت ملكةٌ متدينةٌ محبةٌ للدينِ تُصلي وتَصومُ رمضان وتُقَرِّبُ الصالحينَ والعُلَماء !

ولِدت "أمينة"أو "Aminatu"

حوالي عام 1533 وهي ابنة الملك "ماجاجيا باكوا تورونكو" ملك مملكة "زازاو" وهي إحدى قبائل "الهوسا" السبع التي ساعدت في نشر الإسلام وساهمت في نشر العلوم الشرعية والعربية باعتبارها لغة الإسلام في نيجيريا وما حولها!..

والذي تولى الحكم وهي في سن الخامسة عشر، وحينها وجدت ملاذها وانصرفت إلى تعلم الشئون السياسية والعسكرية وبرعت فيها براعةً نافست فيها الرجال، حتى أصبحت فتاة محاربة ومقاتلة وهى في سن صغيرة.

والتي سرعان ما أصبحت قائدة سلاح الفرسان في جيش أبيها ..

وبعد أن تُوفى والدُها تَمَلَّكَ عَمُها ثُم شَقيقُها المُلكَ ثم والدتُها .. والذين ماتوا كلهم سريعا فأصبحت هي الحاكمة على العرش وملكة البلاد ، وبنظرتها العسكرية الثاقبة رفعت شعار

«أطرق على الحديد وهو ساخن»، فقررت أن تهاجم خصومها بعد ولايتها للحكم بثلاثة أشهر فقط، فقادت جيشا من الرجال الفرسان يتعدى الـ2000 جنديا،واستغلت الملكة "أمينة" بدء الضعف الذي عانى منه شعب"سونغاي" الذي يحكم الأراضي المجاورة لبلدها لتتجرأ وتهجم على المناطق القريبة التي كان سيطر عليها منذ قرون ، وذلك بهدف توسيع أراضيها وبالتالي انفتاح أسواقها التجارية.

ويُنسب إليها الفضل في اختراع الدروع المعدنية لأَغراض الحرب والتي لم تكن معروفة في بلادها ، خصوصاً أن شعبها كان معروفاً بمهارته في صقل المعادن، على عكس الشعوب المحيطة التي كان يستند اقتصادها إلى الزراعة والفلاحة

تُوصف الملكة" أمينة" بأنها مهندسة الجدران الترابية الحصينة حول المدينة، والتي أصبحت نموذجًا أوليًا للتحصينات المستخدمة في جميع ولايات الهوسا. فقامت ببناء العديد من هذه التحصينات، التي عُرفت فيما بعد باسم "أسوار أمينة"، حول العديد من المدن التي تم غزوها. وبقي البعض من هذه الأسوار صامداً حتى اليوم ، على رغم مرور مئات الأعوام عليه، وابرزها سور طوله 15 كيلومتراً لا يزال موجوداً حول مدينة "زاريا"..

ثم غزت الملكة المحاربة كل المدن الممتدة من الشمال الى الجنوب، محكمة سيطرتها على طرق التجارة التي تربط مملكتها بالسودان ومصر وفتحت شمال مملكة مالي وضمتها الى مملكتها وظلت في فتوحتها حتى أصبحت ملكة على أقوى إمبراطورية وُجِدَتْ فى غرب أفريقيا وشواهدها حتى يومنا هذا

وكانت مسلمة العقيدة صحيحة المنهج على المذهب الحنفي !

في فترة حكمها عَمَّ الرخاء وتَوقَفَ التَّصارُع بين القبائل بسبب العدل الذي نشرته بين شعبها وقضت على الفساد والسرقة وقربت العلماء والصالحين وأبعدت أهل الفساد والطمع وأرسلت البعثات العلمية إلى مصر وبلاد المغرب الإسلامي واستحضرت العلماء من شمال إفريقية لتعليم شعبها الدين الصحيح فقضت على البدع والخُرافات والوثنية وانتشر الدين الصحيح الخالي من الأهواء والضلالات وأجبرت الممالك الأخرى على السماح لتجارتها بالمرور !

و بعد حكم استمر 34 عاما ماتت الملكة المحاربة مُجَاهِدةٌ وهي تُقاتِل على صَهْوَةِ جَوَادِها في إحدى المعارك الحربية...رَحِمَها الله وتَقَبَلها في الشُهداء

تُراث الملكة "أمينة" باقٍ حتى الآن، ومازالت قبائل "الهوسا" تحتفل ببراعتها ويتغنون بحياتها في أغنية فلكلورية تحمل اسمها ..وتم مؤخرا إنتاج فيلم نيجيري لقصة حياتها

المصدر :
كتاب «إنفاق الميسور في بلاد التكرور» : تأليف "محمد بيلو"
سنة 1836م .

إرسال تعليق

0 تعليقات